فصل: تفسير الآية رقم (148):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (135- 138):

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}
هودا: يهودا. حنيفا: مائلا عن الباطل إلى الحق، ثم صار علَما للاستقامة. الأسباط: جمع سبط وهو ولد الولد. الاسباط من بني اسرائيل كالقبائل من العرب: تولوا: اعرضوا. في شقاق: في نزاع. صبغة الله: فطرة الله التي فطر الناس عليها.
قال أهل الكتاب: كونوا ايها المؤمنون يهوداً أو نصارى تهتدوا إلى الطريق السوي، فقل لهم يا محمد: بل نتبع ملة ابراهيم الذي لا تنازعون في هداه ولم يكن من المشركين. ودين ابراهيم الحنيف هو الذي عليه محمد واتباعه المؤمنون. وذلك لأنهم يؤمنون بالله وبرسله كتبه. لذلك قال بعده هذه الآية: قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا من القرآن، وآمنا بما أنزل إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط، وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى غير محرّفة، والانجيل الذي أنزله الله عليى عيسى غير محرف أيضاً. وآمنا بما أُتي النبيون من ربهم، لا نفرّق بين أحد منهم فنكفر ببعضه ونؤمن ببعض، بل نشهد بأن الجميع رسل الله بعثهم بالحق والهدى، ونحن له مسلمون مذعنون بالطاعة والعبودية. فإن آمنوا بكل هذا وتركوا ما هم عليه من تحريف كتبهم وادعائهم حلول الله في بعض البشر، فقد اهتدوا إلى الحق. اما إن اعرضوا عما تدعوهم اليه، وفرقوا بين رسل الله فاتركهم. فانهم في شقاق وعداوة، والله سوف يكفيك امرهم ويريحك من لجاجهم ونزاعهم.
غن ما ذثكر آنفاً هو الايمان الحقيقي، وهو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها. اختار الله هذه الرسالة وجعَلها آخر رسالاته إلى البشر لتقوم عليها وحدة انسانية واسعة الآفاق، كل الناس فيها سواء، أفضلهم أتقاهم وانفعهم. ومن أحسنُ من الله صبغة! وتختتم الآية بهذه العبارة اللطيفة {ونحن له عابدون} أي ان الله هدانا بهدايته، وارشدنا إلى حجته، ونحن لا نخضع الا لله، ولا نتبع الا ما هدانا وأرشدنا اليه، فلا نتخذ الاحبار والرهبان اربابا يزيدون في ديننا وينقصون.

.تفسير الآيات (139- 141):

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}
اتحاجوننا: اتجادلوننا.
بعد أن بين الله تعالى ان الملة الصحيحة هي دين ابراهيم، وهي صبغة الله عز وجل، وان محمداً جاء متبعاً لها متمماً للراسلات التي سبقته شرع هنا يبطل الشبهات التي تعترض سبيل الحق، فقال: قل يا محمد، اتجادلوننا في الله زاعمين انه لا يصطفي الأنبياء الا منكم، وهو ربكم ورب كل شيء لا يختص به قوماً دون قوم! ان رب العالمين يصيب برحمته من يشاء ويجزي كل قوم بأعمالهم، لنا اعمالنا، ولكم أعمالكم، ونحن له مخلصون.
ام تقولون ان ابراهيم واسماعيل واسحاق والأسباط كانوا يهوداً أو نصارى مثلكم مع أن الله ما انزل التوراة والانجيل اللذين قامت علهيما اليهدية والنصرانية الا من بعد هؤلاء! لقد اخبرنا الله بذلك، فهل انتم أعلم أم الله؟ بل انه اخبركم بذلك في أسفاركم، فلا تكتموا الحق. ومن أظلمُ ممن كتم حقيقة يعلمها من كتابه! ان الله لا يترك امركم سدى فهو يعلم حقائق الأمور، وهو محيط بما تأتون وماتذرون.
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ...} اعاد القرآن الآية التي مرت منذ قليل للتأكيد على انه لا علاقة لهم بالأسلاف الماضين..

.القراءات:

قرأ بن عامر، وحمزة والكسائي وحفص {ام تقولون} بالتاء. والباقون: {ام يقولون} بالياء.

.تفسير الآيات (142- 143):

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}
السفيه وجمعه سفهاء: الجهال، ضعاف العقول. ولاه عن الشيء: صرَفه. القبلة: ما يستقبل الانسان.. ثم خصه بالجهة التي يستقبلها المسلمون في الصلاة. الوسط: العدل والخيار. من ينقلب على عقبيه: يترك ما كان عليه من التقوى والاستقامة.
لما هاجر الرسول الكريم إلى المدينة مكث ستة أو سبعة عشر شهرا يصلي متوجهاً إلى بيت المقدس. وفي شهر رجب من السنة الثانية من الهجرة أوحي اليه ان يتوجه بالصلاة إلى الكعبة كما يقول ابن عباس. فغضب اليهود من تحويل القبلة هذا وجاء نفر من أحبارهم، منهم رفاعة بن قيس وكعب بن الاشرف والربيع ابن أبي الحقيق فقالوا: يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم انك على ملة ابراهيم ودينه؟! ارجع إلى قبلتك نتبعك وتصدقك. وما كانت أقوالهم هذه الا كذباً وما أرادوا بذلك الا فتنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله تعالى: {سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس..} الآية سيقول الذين ضعُفت احلامهم وأضلتهم أهواؤهم من اليهود والمنافقين والمشركين: أي شيء صرفهم عن قبلتهم التي كانواعليها؟.
قل يا محمد، إنّ جميع الجهات لله لا فضل لجهة على أُخرى، وليست صخرة بيت المقدس بأفضل من سائر الصخور، وكذلك الكعبة والبيت الحرام. وانما جعل الله للناس قبلة، لتكون جامعة لهم في عبادتهم، والله وحده هو الذي يختار ما يشاء ليكون قبلة للصلاة. وهو يهدي بمشيئته كل أمة من الأمم ويلهمها ما فيه الخير لها. وكذلك جعلناكم امة وسطاً خياراً عُدولا، جَمَعَ دينُها بين المادة والروح فجاء وسطاً جامعاً بين حق الروح وحق الجسم. وخير الامور الوسط. وذلك لتشهدوا يوم القيامة على جميع الناس الماديين الذي فرطوا في جنب الله واخلدوا إلى الملذات وعبادة المادة، وقالوا إِنْ هي الا حياتنا نموتونحيا وما يهلكنا الا الدهر.. وكذلك الذين غلَوا في الدين وتخلّوا عن جميع اللذات الجثمانية وتعلقوا بالروحانيات فقط. لقد جعلناكم كذلك لتكونوا أمة وسطا بين هؤلاء وهؤلاء، وبكل معاني الوسط، سواء في الوساطة يمعنى الحسن والفضل أو الاعتدال والقصد، أو التفكير والشعور. {وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً} اذ هو المرتبة العليا لمرتبة الوسط.
{وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ...} اما القبلة إلى بيت المقدس واليت شرعناها لك حيناً من الدهر ثم أمرناك ان تتحول عنها فانما جعلناها امتحانا للمسلمين، ليتبين منهم من يطيع أوامر الله ويتبع الرسول الكريم، من يغلب عليه هواه فيضلّ عن سواء السبيل.
ولقد كان الأمر بالتوجه إلى بيت المقدس ثم التحول إلى الكعبة شاقاً الا على الذي وفقهم الله إلى الايمان. والله رؤوف بعباده، لأنه ذو رحمة واسعة فلا يُضيع عمل عامل من عباده.

.القراءات:

قرأ الحرميان، وابن عامر وحفص {لرؤوف} بالمد على وزن فعول. والباقون {رَؤُف} فَعُل.

.تفسير الآية رقم (144):

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
تتقلب الوجه في السماء: التطلع إلى السماء. الشطر: الجهة.
كان النبي عليه الصلاة والسلام منذ وصوله المدينة يتطلع إلى ان يؤمر بان تكون قبلته الكعبة. قبلة ابيه ابراهيم. فيه قبلة بني قومه، يعظمونها ويفتخرون بها. لذلك جعل يديكم النظر إلى السماء، راجيا ان يمنّ الله عليه بالوحي الذي يأمره بذلك، فأوحى الله تعالى اليه قوله {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء....} فها نحن أولاء نؤتكي سؤلك، فاستقبل في صلاتكم المسجد الحرام، واستقبلوه كذلك أيها المؤمنون في أي مكان تكونون.
اما أل الكتاب فانهم يعلمون أن استقبال القبلة في المسجد الحرام هو الحق المنزل من الله على رسوله، ومع ذلك تجدهم يثيرون الشغب والفتنة، ويؤثّرون على الضعاف في دينهم، ويوهمونهم ان ما يقولونه مأخوذ من كتبهم، وما هو من كتبهم، ولكنهم يريدون بذلك الخداع والفتنة. والله ليس غافلا عنهم، وهو يجزيهم بما يفعلون.
ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد الشديد.

.القراءات:

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {يعملون} بالياء. وبالباقون {تعملون} بالتاء.

.تفسير الآية رقم (145):

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}
ثم يؤكد تعالى عنادهم وكفرهم بهذه الآية، وتفسيرها: ولئن جئت يا محمد اليهود بكل برهان وحجة بأن الحق هو ما جئت به من فرض تحويل القبلة.. ما صدقوا به ولا اتبعوك، لأن إنكارهم ما كان لشبهة تزيلها الحجة. بل هو عناد ومكابرة، فلا يُجدي معهم برهان ولا تقنعهم حجة.
واذا كان اليهود يطمعون في رجوعك إلى قبلتمهم ويعلقون اسلامهم على ذلك، كما راجعك نفر منهم فقد خاب رجاؤهم ولن تتحول إلى قبلتهمه. ان اليهود لن يتركوا قبلتهم ويتوجهوا إلى المشرق. ولا النصارى تغير قبلتها وتتجه إلى المغرب.
{وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم...} ولئن التمست يا محمد رضا هؤلاء اليهود فابتعت قبلتهم من بعدما أوحينا إليك أنهم مقيمون على باطل فإنك اذّاك من الظالمين أنفسهم المخالفين لأمري.

.تفسير الآية رقم (146):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}
ان أهل الكتاب ليعلمون أن تحويل القبلة إلى المسجد الحرام حق، وأنك يا محمد النبي المنعوت في كتبهم بأنه سوف يصلي إلى الكعبة.. وهم يعرفون ذلك كمعرفتهم لأبنائهم. وذلك ما قاله عبدالله بن سلام، أحد احبار اليهود. قبل ان اسلم وصار من عظماء الصحابة. لسيدناعمر رضي الله عنه: انا اعلم بأن محمداً نبي أكثر مما اعلم انه مني. وكذكل قال تميم الداري وهو من علماء النصارى.. ولكن بعضهم أصروا على الكفر وكتموا الحق الذي يعرفونه، اتباعا لهواهم، وتعصباً وحفظاً على سطلناهم.

.تفسير الآية رقم (147):

{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}
اعلم يا محمد ان الحق هو ما أعلمك به ربك لا ما يضلَّل به أهل الكتاب فلا تكن من أهل الشك والتردد. ومن ذلك الحق امرُ القبلة فامض فيه ولا تبال بالمعارضين.
والنهي في هذه الآية كالوعيد في الآية السابقة {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم...} الخطاب فيه موجه إلى النبي عليه السلام، والمراد به من كانوا غير راسخي الايمان من أُمته.

.تفسير الآية رقم (148):

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
بعد أن اقام الحجة على أهل الكتاب وبين أنهم يعملون من كُتبهم ان محمداً نبي، وان جحودهم لتحويل القبلة عناد ومكابرة بيّن الله تعالى هنا ان كل أمة لها قبلة خاصة تتوجه اليها حسب شريعتها، ليس في ذلك شيء من التفاضل، وإنما التفاضل في عمل الخير، فسارعوا اليها المؤمنون إلى الخيرات وتنافسوا فيها، ان الله سبحانه سيجمعكم يوم القيامة ويأتي بكم من كل مكان تكونون فيه، ثم يحاسبكم على ما قمتم به من أعمال، فيوفّي المسحن جزاءه والمسيء عقابه، أو يتفضل فيصفح. وهو على جمعكم من قبوركم وعلى غير ذلك مما يشاء قدير.

.تفسير الآيات (149- 150):

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)}
الى أي جهة توجهت في اسفارك يا محمد فاستقبل المسجد الحرام. هاذ هو الحق من ربك، فاحرص عليه انت وأمتك، فان الله ليس بغافل عن أعمالكم. وحيثما كنتم من أقطار الأرض، مقيمين أو مسافرين، فصلُّوا متجهين إلى المسجد الحرام.
وقد كرر سبحانه هذا الأمر ثلاث مرات تأكيدا لأهمية هذا الموضوع حتى تنقطع حجة أهل الكتاب والمشركين ومن تبعهم من المنافقين، الا الذين ظلموا منهم فلن ينقطع جدالهم وضلالهم. وسيظل اليهود يقولون: ما تحوّل إلى الكعبة الا حباً لبلدة، ولو كان على حق للزم قبلة الأنبياء الذي قبله. ويقول المشركون: رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا. ويقول المنافقين: انه متردد مضطرب لا يثبت على قبلة. لا تبالوا بمثل هؤلاء، فان مطاعنهم لا تضركم، واخشوني ولا تخالوا امري. بذلك أتم نعمتي عليكم بأعطائكم قبلة مستقبلة لكم، لعلكم تهتدون.

.تفسير الآيات (151- 152):

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}
يعدد الله سبحانه نعمه الكثيرة على هذه الأمة فيقول: إن من تمام نعمتي عليكم توجيهكم إلى المسجد الحرام. بعد أن أرسنلا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا التي ترشدكم إلى الحق، ويظهر نفوسكم من دنس الشرك وسيء الاخلاق والعادات، التي كانت فاشية فيه العرب من وأد البنات، وسفك الدماء لأتفه الأسباب. ويعلمكم القرآن، ويبين لكم ما فيه من تشريع واسرار آلهية، كما يعلمكم أشياء كثيرة كانت مغيَّبة عنكم.
فاذكروني بالطاعة والعبادة وبأعمالكم الطيبة واشكروا لي هذه النعم بها، ولا تكفروا هذه المنن ولا تجحدوها.